سائل نصرالله للمستقبل : قواعد اللعبة تغيرت

تشرين الأول 2015 19

من استمع إلى كلمة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في ذكرى مرور أسبوع على استشهاد القائد أبو محمد الإقليم، خصوصًا في شقّها الداخليّ، أيقن أنّ قواعد اللعبة تغيّرت، وأنّ كلّ المعادلات التي كانت تسيّر مختلف الأفرقاء في ما مضى سقطت بالضربة القاضية.
لا تنطلق هذه الخلاصة فقط من كون السيد نصر الله اختار أن يردّ شخصيًا على كلامٍ لأحد صقور «تيار المستقبل»، وزير الداخلية نهاد المشنوق، من دون أن يسمّيه، وهو الذي كان طوال الفترة الماضية «يتجاهل» تصريحات رئيس التيار سعد الحريري، وينأى بنفسه عن «المطوّلات» التي عُرِف بها «الشيخ سعد»، والتي كان يوقّتها دائمًا بعد إطلالات السيد نصر الله، وإنما تتعدّى هذا البُعد، لتقف عند «كمّ» الرسائل التي حرص «الرجل رقم واحد» في «حزب الله» أن يوصلها لكلّ من يعنيهم الأمر.
«الابتزاز مرفوض»، قالها السيد نصر الله رداً على كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق التهويليّ حول استعداد «تيار المستقبل» للانسحاب من الحكومة والحوار في آنٍ واحدٍ، إذا ما استمرّت الأمور على حالها. ولأنّ المشاركة في الحكومة والحوار هي مصلحة للبلد ولا يمكن أن تكون منّة من أحدٍ على أحد، ذهب أبعد من ذلك، فدعا أصحاب هذا الكلام إلى ترجمته إلى أفعال، قائلاً لهم «الله معكم ومع السلامة».
لا شكّ في أنّ ما صدر عن السيد نصر الله في هذا الصدد قد يكون الخطاب الأعنف على الإطلاق من قيادة «حزب الله» باتجاه «تيار المستقبل» منذ فترةٍ طويلةٍ في شؤونٍ داخلية محض، تقول مصادر سياسية متابعة، ملاحظة أن خلفيّة معظم «الاشتباكات» التي كانت تدور بينهما في السابق إقليميّة بالدرجة الأولى، مرتبطة بشكلٍ مباشر بالصراع بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، ولعلّ ما حصل بعيد انخراط السعودية في الحرب اليمنية تحت عنوان «عاصفة الحزم» كما ما حصل مؤخرا بعيد حادث منى المأساوي الذي هزّ موسم الحجّ خير شاهدَين على ذلك، إذ توتّرت جبهة «المستقبل – حزب الله» بشكلٍ كبيرٍ، إلا أنّه توترٌ بقي ضيّقًا ومحدودًا، ولم يصل إلى الشؤون الداخلية.
وعلى الرغم من أنّ المصادر تربط التوتر المستجد بالحماوة والسخونة المستمرّة بين السعودية وإيران، وتعتبر انعكاساً لها بشكلٍ أو بآخر، فهي تشير إلى أنّ الأمور تجاوزت كلّ الخطوط المرسومة ووصلت لحدّ تهديد الحوار الثنائي بين الجانبَين، والذي تمسّك به الفريقان في أكثر الفترات حساسيّة، بل إنّ هذا الحوار عندما انطلق لم تكن الأمور «ورديّة» أصلاً بين الجمهورية الإسلامية والمملكة، ولكن كان هناك ما يمكن أن يوصف بـ «تفاهم الحدّ الأدنى» حول وجوب تنفيس الاحتقان في الشارع والحفاظ على الاستقرار بأيّ شكلٍ من الأشكال.
اللافت في الموضوع، وفق المصادر، أنّ السيد نصر الله تعاطى مع تصريح المشنوق على أنّه موقفٌ رسمي لـ»تيار المستقبل»، ما يعني أنّه لم يقع في «فخّ» التفسير القائل بأنّه مجرّد «اجتهاد شخصي» من وزير الداخلية، كما أنّه لم يتبنَّ التفسيرات «التلطيفيّة» التي ذهب إليها بعض الناطقين باسم «المستقبل» من أنّ المشنوق لم يهوّل بقدر ما حذّر ونبّه، والأهمّ من كلّ ذلك أنّه لم يحصر الأمر في نطاق «ضرورات المناسبة» باعتبار أنّ صقر «المستقبل» أراد شدّ عصب الجمهور المحبَط، لأنّ شدّ عصب الجمهور لا يمكن أن يكون بخطواتٍ غير محسوبة يمكن أن تدفع بالبلاد نحو الهاوية.
وتلاحظ المصادر أنّ السيد نصر الله لم يعتبر الموقف «المستقبليّ» جديدًا بكليّته، بل اعتبره قديمًا جديدًا يحمل بعض الاختلاف في بعض جوانبه، مشيرة إلى أنّ هذا الأمر إن دلّ على شيء، فهو على أنّ «الابتزاز المستقبليّ» ليس بجديد في قاموس «الحزب»، وإن لم يكن علنيًا لهذه الدرجة كما هو اليوم، وتلفت إلى موضوع الخطة الأمنية التي فشلت في البقاع، والتي يريد وزير الداخلية أن يغطي «حزب الله» هذا الفشل عبر «إهدائه» عدداً من «الإنجازات»، التي يفترض أن تكون من مسؤولية الدولة «حصرًا»، وكأنّ المقصود هو «توريط» الحزب وإيقاع «الفتنة» في داخل بيئته، في حين أنّ واجبه يقتصر على عدم تغطية أيّ من المطلوبين، وهو ما قال السيد نصر الله أنّ «حزب الله» لم ولن يفعله.
عموما، تعتبر المصادر أنّ كلّ «السيناريوهات» واردة بعد انفجار جبهة «المستقبل – حزب الله»، لأنّ الحوار، سواء الثنائي بين الجانبين أو الموسّع مع باقي الأفرقاء، لا يمكن أن يستمرّ إلا بالتفاهم الشامل الذي ينطلق من «تحريم» الابتزاز أياً كانت أسبابه، فإذا كان كلّ الأطراف يُجمِعون على أنّ لا معنى لأيّ حوارٍ بشروطٍ مسبقة، فمن الطبيعي أنّ الحوار يفقد معناه بشكلٍ كامل متى دخل عنصر الابتزاز على خطه، ليُصوَّر وكأنّه مصلحة لفريقٍ دون آخر، أو كأنّ أحد الأفرقاء يشارك فيه كـ «جائزة ترضية» للفريق الآخر لا أكثر ولا أقلّ.
وإذا كان الحوار مهدّدًا بفعل التصريحات الأخيرة، فإنّ وضع الحكومة ليس أفضل حالاً، تقول المصادر، مشيرة إلى أنّ الكثير من الأفرقاء باتوا مقتنعين بأنّ استقالتها لن تقدّم ولن تؤخّر، فهي لم تعد مجرّد حكومة عاجزة عن عقد أيّ اجتماعٍ ولو لرفع العتب، وعديمة الإنتاجيّة لا قرار لها ولا من يحزنون، وإنما باتت عمليًا حكومة تصريف أعمال وإن لم يقدّم رئيسها تمام سلام استقالتها بشكلٍ رسمي ربما لغياب الجهة التي يمكن أن يقدّم لها هذه الاستقالة في ضوء الشغور الرئاسي المستمرّ، والذي بدأ يسود اقتناعٌ بأنّ ملءه وحده قادرٌ على أن يكون مفتاح الحلّ، وليس الحلّ بحدّ ذاته للأزمات المختلفة التي يتخبّط فيها الوطن.
نقطة أخيرة تقول المصادر إنّه يجدر التوقف عندها وعدم القفز عنها بتاتًا، وهي الإشادة التي حملها خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» برئيس الحكومة تمام سلام، من حيث الثناء على أدائه، وبالتالي تحييده عن الصراع مع «المستقبل»، وهي ترى أنّ هذا المديح لم يأتِ لا من خارج السياق ولا من باب النكايات السياسية، وإنما له معانٍ ودلالات يفترض التدقيق فيها، وقد لا تكون محصورة في تأكيد الحزب وقوفه إلى جانب سلام لتمرير هذه المرحلة بالتي هي أحسن، وثنيه عن أيّ خطوةٍ غير محسوبة بدأت بعض الأقلام الصحافية بتداولها، عن إمكانية لجوئه إلى الاستقالة.
على عكس العادة إذاً، بدا خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» هادئاً في مقاربة الملفات الإقليمية والاستراتيجية، وساخنًا جدًا في الملفات الداخلية، سخونة حملت بين طيّاتها رسائل حازمة وحاسمة، قد تمهّد في حال وصلت كما يجب لـ «تمديد التهدئة»، باعتبار أنّ البديل ليس سوى الانهيار الكامل!

http://www.sahafa.com/newspapers-and-magazines/lebanon/addiyar

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail