ما حدث للأرمن بتركيا وصمة عار بتاريخ البشرية.اعتراف تركيا بالإبادة الأرمنية أمر لا مفر منه-سفير أرمينيا بمصر كارِن كريكوريان بمقابلة مع «الأهرام العربي»-

11 مارس, 2019

يريفان في 11 مارس/أرمنبريس: أجرى سفير جمهورية أرمينيا لدى مصر كارِن كريكوريان مقابلة مع دورية “الأهرام العربي”، حيث أجاب على أسئلة متعلقة بالإبادة الجماعية الأرمنية. يقدّم أرمنبريس ترجمة مقدّمة من إدارة الإعلام والعلاقات العامة التابعة للوزارة الخارجية الأرمينية.

سؤال: كيف تصفون ما حدث للأرمن في تركيا عام 1915؟

السفير كريكوريان: في 1915 ما حدث مع الشعب الأرمني كان أكبر مأساة في القرن العشرين. بالتأكيد عام 1915 هو عام رمزي حيث في 24 نيسان- بذلك اليوم اعتقلت السلطات العثمانية في إسطنبول وحسب قوائم مشكّلة من ذي قبل، قادة وطنيين وشخصيات أرمنية بارزة وبدأت عملية الإبادة الجماعية للأرمن واستمرت بتلك حتى عام 1923. بإستفادت الحكومة العثمانية بظروف الحرب العالمية الأولى في تنفيذها للإبادة الجماعية الأرمنية ةباستخدام آلة الدولة بأكملها عملت لإنجاز تلك الجريمة، ونتيجة لذلك فقد الشعب الأرمني حوالي 1.5 مليون من أبناءه، وبالتوازي مع الإبادة الجماعية الأرمنية أجرت الإمبراطورية العثمانية إبادة اليونان البوندوسيين والآشوريين. من المؤكد أن آخر اثنين من هذه الإبادات لم تكونا بنفس الضخامة بإعتبار أن عدد اليونانيين والآشوريين كان أقل من عدد الأرمن. وقد تمّ اقتطاع جزء كبير من أمتنا عن وطنه التاريخي حيث كان يعيش فيه منذ آلاف السنين، وازداد عدد الأرمن في الدول العربية، مثل مصر وسوريا ولبنان والعراق والأردن، بشكل كبير بعد الإبادة الجماعية الأرمنية وفي السنوات التي تلت ونحن ممتنون للبلدان التي قبلت بالأوقات العصيبة الناس وأتاحت الفرصة للأرمن للإقامة بأراضيهم. يعيش الأرمن اليوم في أكثر من 100 دولة- في 5 قارة من العالم وهي نتيجة لفقد الوطن. ما حدث مع الأرمن في تركيا العثمانية وصف منذ فترة طويلة بأنه إبادة جماعية، ففي عام 1944 عندما أنشأ رافائيل ليمكين مصطلح الإبادة الجماعية أخذ في الاعتبار الإبادة الجماعية لعام 1915 – أي تدمير الأرمن كمثال أساسي لتلك التسمية.

سؤال: برأيكم ما الذي يجعل دولة بارتكاب إبادة جماعية في حق أمة أخرى؟

السفير كريكوريان: لا يوجد أي تبرير لأي مظهر من مظاهر العنف الناجم عن أسباب عرقية أو دينية. الدمار الشامل أو الترحيل- سواء من قبل السلطات أو من قبل مجموعات أخرى، هي في سياق أفكار الكراهية للإنسانية ولتحقيق النتائج تستعمل الوسائل الأكثر دنيئة، بما في ذلك نشر الكراهية تجاه الأشخاص والمجتمعات مع أفكار تميّز مجموعة عرقية أو دينية على مجموعة أخرى. في حالة الشعب الأرمني أعطيت قبائل “الطبقة الأولى”، التي كانت تعيش في نفس المنطقة، الفرصة لفرض العنف بلا عقاب ضد أمة “الطبقة الثانية” ولحيازة ممتلكات الضحايا.

أود أن أؤكد أن جمهورية أرمينيا منذ إعادة اكتساب استقلالها- عام 1991 كانت ثابتة في منع الإبادة الجماعية وألّفت عدد من الوثائق التي اعتمدتها المنظمات الدولية.

سؤال: حتى الآن لم تعترف تركيا بما فعلته مع الأرمن لأسباب مختلفة. أين الحقيقة؟

السفير كريكوريان: السلطات التركية الحالية ليست فقط لا تعترف بالإبادة الجماعية الأرمنية، ولكنها تنفّذ أيضاً سياسة الإنكار. من الواضح أن السلطات التركية الحديثة وخاصة الجيل الحالي من الشعب التركي، ليس مسؤولاً بشكل مباشر عن تصرفات الحكومة العثمانية البشعة، ولكن مع كل المحاولات الرامية إلى إسكات أو تبرير الإبادة الجماعية والجرائم التي ارتُكبت ونتائجها، فإن السلطات التركية تصادق على جرائمها السابقة وهي تستمر بالجريمة وتشجّع على تنفيذ عمليات إبادة جماعية جديدة. وتواصل أرمينيا عملية الاعتراف الدولي بالإبادة الجماعية الأرمنية، معتبرة أن اعتمادها وإدانتهما ستسهمان في منع مثل هذه الجرائم. وقد تمّ تسييس اعتراف وإدانة الإبادة الجماعية الأرمنية في البداية من قبل تركيا وحاولت السلطات التركية مراراً وتكراراً ممارسة الضغط على تلك الدول التي كانت لديها الشجاعة لإعطاء تقييم دقيق لهذه الأحداث. اليوم تمّ الاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية في أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية. كما اعترفت العديد من حكومات المقاطعات بالإبادة الأرمنية، على سبيل المثال اعتمدت 43 ولاية أمريكية قرارات معترفة بالإبادة الجماعية الأرمنية، وبالمثل فإن مجالس الدول أو المدن في البرازيل وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا العظمى وسويسرا وكندا وعدد من البلدان الأخرى اعترفت كذلك بعذه الجريمة.

إننا نقدّر تقديراً عالياً خطوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الصادق بشأن معالجة قضية الإبادة الجماعية الأرمنية في إطار مؤتمر ميونيخ الأمني، ويتساءل الكثيرون عن سبب العدد القليل للبلدان المعترفة بالإبادة الجماعية الأرمنية في 104 سنة. يجب أن أقول إنه بعد الحرب العالمية الأولى أرمينيا تمتّعت فقط بسنتين من الاستقلال، ثمّ في عام 1920 تمّ دمجها بالاتحاد السوفياتي دون أن تُتاح لها الفرصة لمتابعة سياسة خارجية مستقلة، وبالنسبة لموضوع الإبادة الجماعية الأرمنية في الاتحاد السوفياتي فقد كان محظوراً- فقط في عام 1965 بأرمينيا وبالشتات الأرمني ارتفعت حركة وطنية قوية بمناسبة الذكرى الخمسين للإبادة الجماعية الأرمنية وبدأ الحديث علانية عن هذه الجريمة، لكن الاتحاد السوفياتي وعلى مستوى الدولة رفض إثارة القضية، لذا فإن عبء الاعتراف والإدانة بالإبادة الأرمنية كله كان على عاتق مواطنينا الذين كانوا يعيشون في الشتات والذين واجهوا صعوبات جمّة في تحقيق هذا الهدف. فقط في عام 1991، وبعد استعادة أرمينيا لاستقلالها، تمكنت من عرض القضية على مستوى الدولة.

سؤال: ما هو الهدف الحقيقي للحكومة التركية لتدمير أمة بأكملها؟

السفير كريكوريان: الرجاء فصل الحكومة التركية الحالية عن العثمانيين أو الأتراك الشباب (الاتحاد والترقي-أرمنبريس) حيث تبنى الأتراك الشباب تتريك الشعوب الساكنة في أراضيها وكانت هذه ضربة قوية للحقوق الوطنية والدينية للبلاد. بالمناسبة تم تطبيق السياسة نفسها على العرب وغيرهم من المسلمين غير الأتراك. في حالة الأرمن كانت للسطات التركية أيضاً خطة سياسة لتفريغهم من وطنهم وتصفية شعب من أرضه التاريخية. وأصبحت الحرب العالمية الأولى فرصة جيدة لتنفيذ برامج الجريمة، فمن 15 أبريل 1915 تلقّت حكومات المقاطعات أوامر سرية حول إبادة وترحيل الأرمن بتوقيع من وزير الداخلية التركي طلعت ووزير الدفاع التركي وممثل اللجنة المركزية “للاتحاد والترقي” في الحكومة التركية نظمي، أما القرار المتخذ في مايو/2015 من قبل الحكومة التركية حول “الترحيل” أرسى أساساً قانونياً لتنفيذ تلك الإجراءات، ونتيجة لذلك أُعفيت الحكومة العثمانية، عن طريق تدمير أمة بأكملها، من حل القضية الأرمنية بموجب الالتزامات التي حددتها لها المعاهدات الدولية وغير المرغوب فيها بالنسبة لها إلى حد كبير.

سؤال: يمكننا أن نقول بأن ما فعله الأتراك للأرمن هو نقطة سوداء في تاريخهم؟

السفير كريكوريان: ما حدث للأرمن في تركيا العثمانية هو وصمة عار في تاريخ البشرية والطريقة الوحيدة لتنظيف هذه البقعة هي المواجهة والتوبة من تركيا لتاريخها الخاص.

سؤال: هل سيأتي اليوم الذي يدرك فيه الأتراك أو يعترفون بالإبادة الجماعية؟

السفير كريكوريان: نحن مقتنعون بأن الاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية أمر لا مفر منه. في المجتمع التركي يتحدّث العديد من المفكرين البارزين والشخصيات العامة والسياسية عن الجرائم التي ارتكبها أسلافهم. بالتأكيد أولئك الذين يحملون هذا التفكير هم أقلية وجزء كبير من المجتمع التركي يميل إلى رفض الإبادة الجماعية، ومع ذلك أكرّر مرة أخرى بأن اعتراف تركيا أمر لا مفر منه وسوف يسهم ذلك في تعافي المجتمع التركي.

armenpress.am/ara/news/967134.html

Facebooktwitterredditpinterestlinkedinmail