كانون الأول 2015 10
لا تزال بلدة عرسال تُشكّل نقطة جذب للتكفيريين الفارّين من سوريا أو الآتين اليها من تركيا، لأمرين أساسيين: أولها أنّ الدولة اللبنانية لم تتخذ بعد قرار تطهير البلدة والجرود من عناصر تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» اللذين يتناحران على السيطرة على جرود عرسال واستبقائها كموقع مهم لهم على التخوم اللبنانية. وثانيهما، أنّ بعض أهالي البلدة، مع الأسف، يُفضّلون بقاء هؤلاء التكفيريين بينهم على سيطرة الجيش الكاملة عليها كما على الجرود.
ويبدو أنّ بلدة عرسال والجرود، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مراقبة، قد دخلت لا سيما بعد التفجير الأخير فيها الذي استهدف رجال الدين السوريين في مقرّ «هيئة علماء القلمون» في حسابات روسيا لجهة ضرب الإرهابيين فيها، إذا ما استمرّوا يُهدّدون المناطق اللبنانية بالتفجيرات الإنتحارية، على غرار التفجيرين الأخيرين في برج البراجنة. فالصراع الذي يحتدم يوماً بعد يوم، بين روسيا وتركيا على خلفية تمويل هذه الأخيرة للتنظيمات الإرهابية من خلال شراء النفط منها مقابل الأسلحة والذخيرة، ثمّ تهديد موسكو بوقف صادراتها من أنقرة وتُقدّر بقيمة 9 مليار دولار، وتهديد هذه الأخيرة بفرض عقوبات مضادة على روسيا وغير ذلك، من الممكن أن يؤدّي الى أن تقوم روسيا بسدّ المنافذ التي تقوم تركيا بتهريب الإرهابيين والأسلحة الى سوريا ولبنان.
ومن هنا، قد تنوي روسيا قصف جرود عرسال والجوار للقضاء على وجود التنظيمات فيها، لكنّها قبل ذلك لا بدّ من نيل موافقة لبنان على مثل هذا الأمر، وصولاً الى المناطق الحدودية بين تركيا وسوريا لكي تمنع الأتراك من استخدام هذه المناطق لتمويل التنظيمات وتقويتها على قوّات النظام.
وتجد روسيا أنّ الولايات المتحدة لا تزال تدعم تركيا، أي أنّها لا تزال ماضية وإيّاها في تمويل هذه التنظيمات رغم كلّ ما حصل أخيراً في اعتداءات باريس (في 13 تشرين الثاني المنصرم)، لا سيما وأنّها ساهمت في اجتماع مجلس الأمن الأخير في منع إلزام تركيا في بحث مسألة نشر جنودها الأتراك في شمال العراق، على ما طالبت روسيا التي تريد إمساك زمام الأمور في المنطقة بعد أن تركتها طويلاً للولايات المتحدة، ووجدت أنّها لم تُحقّق شيئاً سوى زرع الفوضى في هذه الدول، وسرقة مواردها النفطية وتقاسمها مع حليفاتها.
فبعد حادثة إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية، وإعلان موسكو تعليق التعاون العسكري بين البلدين، واتهام روسيا انقرة علناً بأنّها تعمل على تمويل الإرهاب في الشرق الأوسط. فما بعد هذا التصعيد لن يكون كما قبله، على ما أكّدت الأوساط نفسها، ولهذا تتوقّع إكمال روسيا تصعيدها تجاه تركيا والدول الحليفة والداعمة لها في كلّ الإتجاهات. وأشارت الى أنّها غالباً ما تملك خيارات عدّة، ولا بدّ وأن تختار ما يُناسبها منها، لوقف ما تقوم به أنقرة بكلّ وقاحة ومن دون أي خجل.
وبحسب رأي الاوساط عينها، فإنّ الاحتمالات تبقى مفتوحة على مصراعيها، ويدخل ضمنها كل من لبنان وسوريا والعراق حيث تحاول تركيا السيطرة من خلال نشر قوّاتها بدعم أميركي. ولهذا فعلى لبنان بدوره، اتخاذ موقف حاسم بشأن الأمر الذي تريد حكومته إحلاله في المرحلة المقبلة. فهل هي تريد عودة الأمن والاستقرار الى جرود عرسال والبلدات الحدودية المجاورة لها، أم أنّها ستغضّ الطرف عن «احتلال» الإرهابيين للبلدة وجرودها، وعن بقائهم فيها وتعزيز موقعهم العسكري هناك؟.
كما عليها في الوقت نفسه، أن تحسم مسألة العسكريين المخطوفين لدى «داعش»، على أن لا يأخذ التفاوض مع هؤلاء هذه المرة فترة أقلّ من تلك التي استلزمت التفاوض مع «جبهة النصرة»، علماً أنّ النتائج كانت إيجابية، وهذا ما تأمل الأوساط أن يحصل أيضاً مع العسكريين الباقين. وأشارت الى أنّ أحداً لا يعلم ما إذا كان هؤلاء لا يزالون في جرود عرسال أو نُقلوا الى مكان آخر، إلاّ أنّ المنطق يقول إنّهم لا يزالون في الجرود، كون وجودهم يُشكّل ورقة رابحة في يد «داعش»، وهو لن يتخلّى عنها بهذه السهولة، كون بقائه في جرود عرسال مرتبط ببقاء هؤلاء الجنود فيها أيضاً، وإن كانوا في الأسر.
أمّا روسيا التي تضع مخططاً للتصدّي لتركيا وممارساتها تجاهها في المنطقة، فستضع في حسبانها قبل التفكير بتطهير عرسال من الإرهابيين، في حال طلبت منها الحكومة اللبنانية ذلك، الجنود المختطفين قبل قيامها بأي خطوة من هذا النوع. وقد يحصل التنسيق بينها وبين الأجهزة الأمنية اللبنانية إذا ما تمّ التأكّد من مكان وجود العسكريين. فروسيا التي تُطالب بقوّات برّية تساندها في سوريا للقضاء على الإرهابيين، ستجدهم في لبنان متى شاءت لتطهير الجرود وكلّ الخط المؤدّي الى الحدود التركية- السورية.
وفيما عدا ذلك، فسيبقى الخط الذي تفتتحه تركيا وتُسهّل عبره تهريب البشر والأسلحة، يدرّ عليها الثروات وعلى لبنان وسوريا والعراق الويلات، ولهذا لا بدّ من إغلاقه فوراً وبأي وسيلة كانت لتلافي تفجير المنطقة من قبل التكفيريين، فيما تركيا والولايات المتحدة والدول الحليفة لهما تقف وتتفرّج.
http://www.addiyar.com