كانون الأول 2015 14
لم تكن صدفة ان يقوم الجيش التركي بالدخول الى منطقة الموصل حيث المنطقة سنيّة بامتياز مع الفلوجة ومع نينوى ومع محافظة صلاح الدين وتكريت وهذه المناطق كلها، ورغم ان الحشد الشعبي الشيعي منتشر في تكريت، الا ان الموصل كبرى المدن العراقية ومحافظة نينوى ومحافظة صلاح الدين تشكل مساحة اكثر من ثلث العراق. وبالتالي، ستحتل تركيا 3 الاف كلم مربع في مرحلة اولى على ان تترك «داعش» في المدن في الداخل يسيطر سنياً على المنطقة. وبعدما رفضت واشنطن وموسكو اقامة مناطق عازلة في سوريا من قبل تركيا، توجهت تركيا نحو العراق لتقيم مناطق عازلة هناك بمساحات كبيرة وتبني مخيمات للاجئين تتسع لنصف مليون لاجىء على الاقل داخل الاراضي العراقية. لكن هدف تركيا الحقيقي هي انشاء جيش الحشد الوطني السني، وهو مرادف ومعاكس لجيش الحشد الشعبي الشيعي. واذا كانت المرجعية الدينية السيد سيستاني قد أفتى بعدم دخول قوات اجنبية الى العراق لكن تركيا لا ترد على الموضوع وستزيد قواتها وتدريبها للحشد الوطني السنّي، وتتصل بـ «داعش» استراتيجيا مع ان هنالك عناصر من «داعش» نفذت تفجيرات في تركيا، لكن على مستوى قيادة «داعش» فالعلاقة بين تركيا والقيادة جيدة، وابو بكر البغدادي ينسق مع القيادة التركية في تحركات داعش.
وقدمت العراق شكوى الى مجلس الامن ضد تركيا على اساس ان تركيا احتلت منطقة من العراق وادخلت قواتها دون اذن من الحكومة الاتحادية العراقية، لكن تركيا اتهمت الحكومة العراقية بأنها قدمت الشكوى تحت ضغط ايران وروسيا، وانها لن تسحب قواتها من العراق بل ستزيد عديدها وتزيد من تدريب الحشد الوطني السنّي، الى ان يصبح جيشا مؤلفا من 50 الفاً من القبائل والعشائر السنية، يجعلهم يسيطرون على المنطقة مع «داعش» وتصبح مهمة الحكومة الشيعية في بغداد صعبة للغاية، ومهمة الحشد الشعبي الشيعي صعبة للغاية أيضاً، وعندها تبدأ فتنة سنية – شيعية كبرى في العراق بين الحشد الشعبي الشيعي والحشد الوطني السني، والحشد الشعبي الشيعي مدعوم من ايران والحشد الوطني السني مدعوم من تركيا.
هذه ازمة جديدة كبرى وجبهة كبيرة ايضا تفتح في العراق، ولم يكن احد ينتظرها وجاءت مفاجأة دخول القوات التركية الى العراق بهذا الشكل ورفضها الانسحاب ورفضها حتى منذ الان قرار مجلس الامن اياً يكن، فهل اميركا هي التي اعطت الضوء الاخضر لتركيا لتحتل مناطق في الموصل بعدما حاولت واشنطن اقناع رئيس الحكومة الاتحادية العراقية العبادي اشراك السنّة في الحرب على «داعش» ولم يقم الرئيس العبادي بتلبية طلب واشنطن، فاذا بواشنطن تلجأ الى تركيا بهذه المهمة لتستوعب تركيا القبائل العربية السنية وتقوم بتدريبها وتسليحها بالتنسيق مع اميركا، اضافة الى تدريب الحشد الوطني السني، للقتال في البداية ضد قسم من «داعش» ولكن عمليا ضد الحشد الشعبي الشيعي.
وقد صرح مقتضى الصدر زعيم تنظيم شيعي كبير بأنه اذا لم تخرج القوات التركية من العراق فانه سيلجأ الى الخيار العسكري، كما ان الحشد الشعبي الشيعي سيلجأ الى الخيار العسكري لطرد القوات العراقية، ولكن هل يستطيع الحشد الشعبي الانتصار على الجيش التركي، لان المهمة صعبة للغاية، والجيش التركي اذا وصل عديده الى 25 الف جندي يصبح من المستحيل ازاحته من الحدود التركية الى الموصل، مع دباباته وآلياته وطائراته، خاصة اذا كان مدعوما من الولايات المتحدة الاميركية، التي تبدو انها تريد مواجهة السيطرة الايرانية والنفوذ الروسي الجديد في العراق حيث تقترب الحكومة العراقية من موسكو يوما بعد يوم وتشتري اسلحة بـ 4 مليارات دولار من روسيا وهذا ما ترفضه واشنطن كليا. لكن رئيس الحكومة الاتحادية العراقية الرئيس العبادي قام بالصفقة واشترى بـ 4 مليارات دولار اسلحة من روسيا على عكس رغبة واشنطن.
المنطقة العازلة التي ستقيمها تركيا هي بطول 100 كلم على الحدود، وعمق ما بين 60 الى 80 كلم داخل الاراضي العراقية، وستتسع لنصف مليون لاجىء على الاقل من العراقيين الذين هربوا من العراق واكثريتهم من السنّة، وسيأتي لاجئون عراقيون من حدود الاردن ويعودون الى المنطقة العازلة التي ستقيمها تركيا، وتتسع هذه المنطقة بالنتيجة لمليون لاجىء اذا ساهمت الامم المتحدة وهيئات الاغاثة فيها في اقامة المخيمات وتقديم المساعدات. وهذا مطلب اوروبي من تركيا كي لا تفتح المجال للنازحين ان يعبروا من موانئها وشاطئها الى اليونان ومن اليونان الى الداخل الاوروبي، اي الى فرنسا والمانيا وايطاليا واسبانيا والنمسا.
وتبدو الجامعة العربية غائبة كليا عن الاحداث الحاصلة في العالم العربي، ذلك ان دخول الجيش التركي الى العراق يستلزم اجتماعا لوزراء الخارجية العرب وبحث الاحتلال التركي لاراض عراقية، لكن الجامعة العربية غائبة كلياً ولا تتحرك وليس لها موقف، ويبدو ان السعودية وقطر تدعمان تركيا، لان تركيا تدعم السنّة في العراق، وتقف في وجه ايران في العراق، بينما يضع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رجلاً في الفلاحة ورجلاً في البور ولا يريد ان يتخذ موقفا من دخول الجيش التركي الى العراق.
اما بقية الدول العربية فلا يهمها الامر، ولذلك لم يلجأ العراق الى الجامعة العربية كأنها غير موجودة فلجأ الى مجلس الامن الدولي مقدّما شكوى ومعتبرا ان الدول الخمس الكبرى ستؤيده ولن تضع فيتو على القرار الذي سيصدر عن مجلس الامن ضد تركيا. لكن النص الذي ستتم كتابته ستتدخل فيه الولايات المتحدة ولن تقبل بادانة تركيا ادانة كاملة بل ستطالب بوحدة العراق وسيادته لكنها لن تدين تركيا واوروبا لن تدين تركيا اي فرنسا وبريطانيا لان لهما مصلحة في ايقاف نزيف اللاجئين من تركيا الى اوروبا وثانيا لان اميركا تريد اشراك السنّة في محاربة «داعش» وحتى الان لم تفهم واشنطن لماذا لا تقوم حكومة بغداد باشراك السنّة في المنطقة والقبائل العربية السنيّة في الحرب ضد «داعش»، ولماذا قام نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية الاسبق بتسليم الموصل ونينوى وصلاح الدين الى تنظيم «داعش» الذي استلم كل الاسلحة الثقيلة من الجيش العراقي وانسحب الجيش العراقي بأمر من نوري المالكي تاركا وراءه ترسانة كبرى من الاسلحة ومنطقة هامة كان يسيطر عليها. انسحب الجيش العراقي مهزوما بأمر من نوري المالكي دون ان يقاتل مع انه كان بقدرته مقاتلة «داعش» وعدم السماح له بدخول الموصل. فلماذا فعل ذلك نوري المالكي؟ لا احد يعرف، الا انها عملية مؤامرة جرت على الجيش العراقي ولصالح «داعش»، حتى ان نوري المالكي أخرج 1300 سجين لـ «داعش» من السجون وارسلهم الى التنظيم في السابق.
ان تركيا لها طمع بالاراضي العراقية، وان لها طمعاً بالاراضي السورية، وتريد ان تبني سلطنة كاملة تحت عنوان مساعدة السنّة. فهي تقول انها ضد الرئيس بشار الاسد لانه يضرب السنّة في سوريا، بينما يقول الرئيس بشار الاسد ان غالبية السنّة والشعب السوري هم معنا، كذلك انها ضد حكومة بغداد الشيعية متهما اياها بأنها تضرب السنّة في نينوى والموصل وشمال العراق، ولذلك فالجيش التركي دخل لمساندة وحماية اهل السنّة في العراق. ولن تنسحب تركيا الا بعد التأمين على مصالح أهل السنّة في العراق وتدريب الحشد الوطني العراقي كي يكون قادراً على مواجهة الحشد الشعبي الشيعي الذي دربته ايران واطلقت يده وسلحته واصبح اقوى من الجيش العراقي في القتال.
ان جبهة جديدة قد تم فتحها، هي جبهة تركيا الشيعة، ولا يمكن القول ان السعودية وقطر لا تساندان تركيا في عملها، وان الولايات المتحدة غضّت النظر عن هذه العملية، وانه رد تركي – سعودي – قطري ضد ايران بالدرجة الاولى وضد روسيا بالدرجة الثانية. فلننتظر لنعرف ما ستحمل الاسابيع المقبلة بشأن عملية تركيا العسكرية في العراق. فهل تكمل تركيا هجومها واحتلالها للاراضي العراقية، ام تنسحب بناء لقرار مجلس الامن؟ لا احد يعرف، لكن من المرجّح ان تركيا دخلت الى الاراضي العراقية كي لا تنسحب حاليا منه بعدما فشلت في دخول سوريا واقامة مناطق عازلة فيها.
http://www.addiyar.com/article/1094656-تركيا-ستحتل-3-آلاف-كلم-مربعمن-العراق-وصولا-للموصل