كانون الثاني 2016
من يعتقد ان الازمة بين ايران والسعودية سيجري حلها خلال سنة او سنتين مخطىء جدا ذلك ان الحرب بين ايران والسعودية ستستمر 30 سنة، على الاقل، ولكن ربما من دون حرب عسكرية بل حرب مواقع خارج السعودية وايران، مثلاً في اليمن، وفي العراق، وفي البحرين وفي القطيف في السعودية، وفي لبنان وفي سوريا وعلى ضفاف البحر الاحمر قرب السودان.
واذا كنا نقول ان الخلاف سيستمر 30 سنة، فلأن عمق النظام في ايران يتناقض كلياً مع عمق النظام في السعودية، ونحن لا نتكلم فقط عن الشأن الديني بل نتكلم عن نفوذ الدول، فاذا كانت السعودية تريد ان تكون زعيمة العالم الاسلامي، فان ايران تريد ايضا ان تكون زعيمة العالم الاسلامي ولها مواقع نفوذ ضمن الدول العربية، بعدما كانت السعودية او مصر هما اصحاب النفوذ في الدول العربية وكانت ايران خارج الاراضي العربية. لكن ايران موجودة الان عبر خلايا سرية في البحرين، وعبر خلايا سرية في المنطقة الشرقية في السعودية، وعبر خلايا سرية في الكويت، وعبر حلفاء اقوياء على الارض في اليمن، هم الحوثيون وجماعة علي عبدالله صالح، حيث الحرب تدور دون ان تستطيع السعودية تحقيق النصر كاملاً، بل يتم استنزافها في الحرب في اليمن، لن تنتهي الا بحل سياسي وليس قبل سنوات وسنوات، ثم ان موافقة اميركا على تسليم ايران العراق وان يكون الحكم في العراق موالي لايران، وطلب السفير فيلتمان من الرئيس اياد العلاوي الانسحاب لصالح الرئيس نوري المالكي كي يكون رئيسا للحكومة كان تسليماً اميركياً للعراق لصالح ايران، فجاء الشخص الذي يوالي ايران مئة في المئة وهو الرئيس نوري المالكي، وتم ابعاد الرئيس اياد العلاوي الذي هو على خلاف مع ايران، رغم ان الرئيس اياد العلاوي كان يملك الاكثرية في المجلس النيابي، ثم انه بعد ضغط عربي كبير على اميركا، واحتجاج الخليج واحتجاج دول عربية اخرى وافقت الولايات المتحدة على ازاحة الرئيس نوري المالكي واستبداله بالرئيس العبادي وساهم في ذلك فضائح الفساد التي ظهرت في ايام الرئيس نوري المالكي اضافة الى الخسائر العسكرية في الجيش العراقي امام داعش، مما اضطر ايران الى سحب الرئيس نوري المالكي والمجيء بالرئيس عبادي مكانه، والرئيس عبادي يريد علاقة مع السعودية لكنه يوالي ايران اكثر، وايران تسيطر في العراق سيطرة كبيرة بواسطة الحرس الثوري وبواسطة العراقيين الذين طردهم الرئيس صدام حسين، ويبلغ عددهم مليون عراقي وُلدوا ونشأوا في ايران ويتكلمون اللغة الفارسية والعربية وعادوا الى العراق بعد اسقاط الرئيس صدام حسين، وهم يوالون ايران ولهم قوة كبيرة وهم من اغتال الاطباء والمهندسين والطيارين والعلماء في العراق الذين كانوا يوالون الرئيس صدام حسين.
ثم هنالك مشكلة بين السعودية وايران في سوريا، من خلال نفوذ ايران عبر الرئيس بشار الاسد، ودعم هذا التحالف الايراني – السوري روسيا عبر الرئيس فلاديمير بوتين، وبالتالي، فان السعودية لا ترضى ان تكون سوريا مركزاً لايران، ومن هنا مطالبتها بتنحية الرئيس بشار الاسد ورحيله عن الحكم لان السعودية تعتبر انه اذا رحل الرئيس بشار الاسد عن الحكم، فان الحلف الايراني – السوري سيسقط ولا يعود نفوذ ايران قوي في سوريا بل ينهار كليا، وهذا مطلب مستحيل اسقاط الرئيس بشار الاسد في ظل قتاله وصموده 5 سنوات، وفي ظل دعم حزب الله له، وفي ظل دعم الطيران الروسي حاليا، للجيش السوري وتحقيقه انجازات برية هامة، ثم هنالك الساحة اللبنانية التي تريد السعودية ان يكون لها نفوذ كبير فيها، كما كان طوال فترات طويلة، لكن السعودية وجدت نفوذها قد اضمحل وضعف في لبنان نتيجة قوة حزب الله وخاصة بعد حادثة 7 ايار وخاصة بعد ازاحة الرئيس سعد الحريري من كرسي الحكم واقالة الحكومة، حيث كان الرئيس سعد الحريري يقابل في واشنطن رئيس الولايات المتحدة، مما اضطر الرئيس سعد الحريري الى الغياب عن الساحة اللبنانية والسفر والبقاء في الرياض نتيجة خوفه من الاغتيال ونتيجة منعه من الحكم والاهم ان اغتيال اللواء الشهيد وسام الحسن ادّى الى تأثير كبير على الرئيس سعد الحريري فقرر البقاء خارج لبنان بعد اغتيال الشهيد وسام الحسن، لانه كان يتكل عليه كثيرا امنيا، وعندما رأى ان الرأس الامني قد قُطع باستشهاد اللواء وسام الحسن وجد الرئيس سعد الحريري افضل مكان له ان يبقى في الرياض وان يتنقل في سفرات خارجية الى موسكو وباريس وواشنطن ودول اخرى.
كل هذه الساحات هي ساحات نزاع بين السعودية وايران حتى ان الامر وصل الى افريقيا، فنيجيريا عملت السعودية على استمالتها لها وفي ذات الوقت عملت ايران على استمالة نيجيريا واقامت علاقة معها، ونيجيريا التي يعد عدد سكانها حوالى 200 مليون مسلم هي دولة افريقية اسلامية كبرى، كانت ايران ترغب في ان تكون في صفها، والسعودية ايضا تريدها في صفها، لكن الان ما توصلوا اليه ان تكون نيجيريا على الحياد.
اما السودان الذي كان مع ايران فاستطاعت السعودية في دفع اموال له وان تجذبه من ايران والنفوذ الايراني الى النفوذ السعودي، وكان السودان مركزاً لانتقال الصواريخ الايرانية الى البحر الاحمر الى الشاطىء السوداني ومن السودان الى السيناء وصولا الى غزة، وتم تسليح حماس في غزة في ايام الرئيس محمد مرسي بالاتفاق بين ايران والسودان وحماس، تسليحاً كبيرا زاد عن 10 آلاف صاروخ، وساهم حزب الله اللبناني بايصال الصواريخ الى حماس في غزة، ومع ذلك عندما حصلت حرب غزة وقام خالد مشعل بشكر الدول التي دعمت غزة وحماس ذكر كل الدول خاصة قطر وتركيا دون ان يذكر حزب الله الذي علّم أهل غزة حرب الانفاق واوصل اليهم الصواريخ بواسطة خليّة سامي شهاب الذين كانوا في السجون المصرية، وعندما وصل الرئيس محمد مرسي استطاع حزب الله سحب خلية سامي شهاب من السجون المصرية والمجيء بهم الى بيروت.
وقد ذكر يومها خالد مشعل، وذكر، كل الدول التي ساهمت في دعم حماس، دون ان يذكر سوريا التي واجهت الولايات المتحدة في رفضها اغلاق مكاتب حماس بعد حرب العراق في دمشق، ودون ان يذكر حزب الله الذي اوصل اليه الصواريخ وقام بتعليمه في كيفية انشاء الانفاق تحت الارض في غزة، كما انشأ حزب الله انفاقه في جنوب لبنان.
وعلى الصعيد الفلسطيني، يدور نزاع كبير بين ايران والسعودية، فالسعودية استطاعت استمالة حركة حماس بواسطة قطر وبواسطة علاقات مباشرة مع حركة حماس وتمويلها ماديا بنسبة ضئيلة.
اما سوريا، ففتحت علاقة مع حركة فتح واستقبل الرئيس بشار الاسد امس الرئيس محمود عباس واعطى امرا بالسماح بفتح 3 مكاتب لحركة فتح في قلب دمشق بعدما انسحبت حماس واصبحت حليفة للاخوان المسلمين وهي اصلا من الاخوان المسلمين ووقفت ضد النظام السوري مع تركيا وقطر والسعودية. لذلك فالحرب طويلة وطويلة بين ايران والسعودية، والسعودية تريد اخراج النفوذ الايراني من الدول العربية، وهي قادرة الى حد ما على الحفاظ على الخليج العربي خارج النفوذ الايراني ومتحالفا مع السعودية مثل دولة الامارات ومثل الكويت وغيرهم. لكن السعودية لا تستطيع اخراج ايران من اليمن الا بحرب شاملة قد تكلفها الخطر على نظام السعودية، كذلك لا تستطيع اخراج الايرانيين من العراق ابدا، لان الذي يحكم العراق هو التيار الموالي لايران، والمعادي لنظام الرئيس صدام حسين سابقا، كذلك لا تستطيع اسقاط الرئيس بشار الاسد، خاصة وان مرحلة اسقاطه قد اصبحت وراءنا، لان روسيا نزلت بثقلها واعلنت دعمها للرئيس بشار الاسد وبقائه في الحكم، وكلفت 70 طائرة القصف ليل نهار لدعم الجيش العربي السوري ووحدات حزب الله، والمستشارين الايرانيين والحرس الثوري.
كذلك في لبنان، لا تستطيع السعودية ازاحة حزب الله من الساحة اللبنانية، لان حزب الله قوة كبرى في لبنان لا يمكن لأي قوة ان تلغيه، او ان تقصي حزب الله عن الحياة السياسية والقرارات الاساسية في لبنان، لا بل هو فاق قوة الجيش اللبناني في عهد الرئيس اميل لحود وحتى الان، واصبح لديه اسلحة هامة خاصة وان روسيا كما تقول بعض وكالات الانباء الالمانية وافقت ان تسلح حزب الله بعلم القيادة السورية مباشرة بالمدافع والصواريخ لكن ضمن الاراضي السورية، شرط ان لا ينقل حزب الله هذه الاسلحة الى لبنان، بل يستعملها في سوريا ضد المعارضة الارهابية التكفيرية. وباتت العلاقة بين حزب الله وروسيا في أمتن الاوضاع، ومن هنا من الصعوبة على السعودية ازاحة حزب الله، لذلك فالحرب ستبقى 30 سنة بين ايران والسعودية، الا اذا حكم الحكماء واقتنعوا ان حسن الجوار هو الافضل وان احدا لن يربح في هذه الحرب، وان العالم الاسلامي سينقسم على نفسه وان التوترات ستجتاح المنطقة طوال سنوات وسنوات مما تؤخر النمو والتقدم في ظل ازمة مالية تعيشها السعودية وفي ظل ازمة اقتصادية تعيشها ايران.
http://www.addiyar.com